مشتقات البترول الطبيعية

تُعتبر مشتقات البترول الطبيعية من أهم الموارد الاقتصادية والصناعية في العالم الحديث، حيث تلعب دورًا محوريًا في العديد من القطاعات الصناعية والخدمية. البترول، وهو عبارة عن خليط معقد من الهيدروكربونات الطبيعية التي تتكون عبر ملايين السنين من تحلل بقايا الكائنات الحية الدقيقة تحت ظروف ضغط وحرارة عالية في باطن الأرض، يخضع لعمليات تكرير متقدمة لاستخلاص مجموعة واسعة من المنتجات المتنوعة. تتنوع هذه المنتجات وتتعدد استخداماتها بشكل كبير لتشمل مجالات الطاقة، الصناعة، النقل، والكيمياء.

تعريف مشتقات البترول الطبيعية

مشتقات البترول الطبيعية هي المواد التي تُنتج من معالجة النفط الخام بطرق فيزيائية وكيميائية، وتتضمن هذه المشتقات السائلة، الغازية، والصلبة، التي تستخدم مباشرة أو بعد مزيد من المعالجة في الصناعات المختلفة. جميع هذه المنتجات تتشارك في كونها مشتقة من النفط الخام أو الغاز الطبيعي، والذي يعد شكلاً من أشكال البترول.

تكوين النفط الخام وأساسيات مشتقاته

يتكون النفط الخام أساسًا من مزيج من الهيدروكربونات، وهي مركبات عضوية تتألف من ذرات الكربون والهيدروجين، وتتراوح سلاسل هذه المركبات من قصيرة جدًا إلى طويلة جدًا، مما يحدد خصائص المادة الخام. تتنوع الهيدروكربونات في النفط بين:

• الألكانات (البارافينات): هيدروكربونات مشبعة بسلاسل مستقيمة أو متفرعة.

• النافتينات (السيركلو ألكانات): هيدروكربونات مشبعة حلقية.

• الهيدروكربونات العطرية: مركبات تحتوي على حلقات بنزين.

• الهيدروكربونات غير المشبعة: تحتوي على روابط مزدوجة أو ثلاثية.

هذه التركيبة المعقدة تحدد كيفية تكرير النفط لاستخراج المشتقات المختلفة.

طرق تكرير النفط الخام لاستخلاص مشتقات البترول

تمر عملية تكرير النفط الخام بعدة مراحل لاستخلاص المنتجات المفيدة، حيث يُرفع النفط الخام من باطن الأرض ويتم نقله إلى معامل التكرير. في معامل التكرير، يُسخن النفط الخام إلى درجات حرارة عالية جدًا في أجهزة مخصصة تسمى أبراج التقطير التجزيئي، حيث يُفصل النفط إلى عدة أجزاء حسب درجة غليان كل منها. تختلف هذه الأجزاء في الطول الجزيئي والتركيب الكيميائي، وتُستخدم بعد ذلك في تصنيع منتجات مختلفة.

أنواع مشتقات البترول الطبيعية واستخداماتها

يمكن تصنيف مشتقات البترول إلى عدة مجموعات رئيسية، كل منها يحتوي على منتجات ذات خصائص واستخدامات محددة:

1. الغازات البترولية

تشمل هذه الفئة الغازات التي تتبخر بسهولة في درجات حرارة منخفضة، مثل:

• البروبان (C3H8): يستخدم كوقود للطهي والتدفئة وفي بعض التطبيقات الصناعية.

• البيوتان (C4H10): يستخدم في تصنيع الوقود السائل، والمواد الكيميائية.

• غاز البترول المسال (LPG): خليط من البروبان والبيوتان يُستخدم في المنازل والصناعة.

تُستخرج هذه الغازات من النفط الخام أو الغاز الطبيعي وتُضغط لتتحول إلى سائل يسهل تخزينه ونقله.

2. الزيوت الخفيفة

تشمل البنزين والكيروسين:

• البنزين: وهو سائل خفيف يستعمل بشكل رئيسي كوقود لمحركات السيارات، ويستخدم أيضًا كمذيب في الصناعات الكيميائية.

• الكيروسين: يُستخدم كوقود للطائرات، وفي التدفئة، وبعض المصابيح الزيتية.

البنزين يتميز بقدرته على الاشتعال بسهولة، مما يجعله وقودًا فعالًا.

3. الزيوت الثقيلة والزيوت المعدنية

هذه تشمل زيوت الديزل والزيوت الثقيلة التي تستخدم في الوقود لمحركات الديزل، وكذلك في المصانع وفي السفن الكبيرة. تشمل أيضًا الزيوت المعدنية التي تُستخدم في التشحيم وصناعة المنتجات البتروكيماوية.

4. الأسفلت (القار)

هو المنتج الأثقل والأكثر لزوجة المتبقي بعد عمليات التقطير، ويستخدم في تعبيد الطرق وصناعة مواد العزل، كما يدخل في تصنيع بعض المواد العازلة والمطاطية.

5. المشتقات الكيميائية

تُستخدم مشتقات النفط الخام كمادة أولية لصناعة المئات من المركبات الكيميائية التي تدخل في تصنيع البلاستيك، الأسمدة، الأدوية، الألياف الصناعية، والمطاط الصناعي. من أبرز هذه المركبات:

• الإيثيلين والبروبلين: مركبات هيدروكربونية بسيطة تُستخدم في صناعة البوليمرات.

• البنزين، التولوين، والزيلين: مركبات عطرية تدخل في صناعة الأدوية والمواد الكيميائية الدقيقة.

أهمية مشتقات البترول في الاقتصاد العالمي

يُعد النفط ومشتقاته المصدر الرئيسي للطاقة في العالم، إذ تعتمد عليه معظم الصناعات الثقيلة ووسائل النقل، كما أن إنتاج وتصدير مشتقات البترول يشكل العمود الفقري للاقتصاد في العديد من الدول المنتجة. تتميز مشتقات النفط بقدرتها على توفير طاقة مكثفة وسهلة الاستخدام، إضافة إلى كونها مادة خام لتصنيع مئات المنتجات الصناعية الاستهلاكية.

الجدول التالي يوضح بعض مشتقات البترول الرئيسية واستخداماتها:

العمليات الكيميائية المتقدمة لتحسين مشتقات البترول

بالإضافة إلى التقطير التجزيئي، يخضع النفط الخام إلى عمليات كيميائية متقدمة مثل:

• التكسير (Cracking): تحويل الهيدروكربونات الثقيلة إلى أخف وزناً وأكثر قيمة، كالبنزين والديزل.

• الإصلاح التحفيزي (Catalytic Reforming): تحسين جودة البنزين وزيادة نسبة الهيدروكربونات العطرية.

• التكسير الهيدروجيني (Hydrocracking): تكسير الهيدروكربونات الثقيلة بوجود الهيدروجين لإنتاج وقود أنقى.

تسهم هذه العمليات في زيادة الكفاءة وتحسين جودة المنتجات البترولية لتلبية احتياجات السوق المتزايدة.

التأثير البيئي لمشتقات البترول الطبيعية

رغم الأهمية الاقتصادية لمشتقات البترول، إلا أن استخدامها له تداعيات بيئية كبيرة. احتراق هذه المشتقات يؤدي إلى انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، الذي يُعد أحد الغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري. كما أن التسربات النفطية وتلوث البيئة بمشتقات النفط تشكل تهديدًا على الحياة البرية والموائل الطبيعية.

لهذا، اتجهت العديد من الدول والصناعات إلى تطوير تقنيات التنقيب والمعالجة الصديقة للبيئة، وتحسين كفاءة استهلاك الوقود، إلى جانب البحث في مصادر طاقة متجددة بديلة.

مستقبل مشتقات البترول الطبيعية

على الرغم من تزايد الاهتمام بالطاقة المتجددة، تبقى مشتقات البترول الطبيعية جزءًا لا غنى عنه من الاقتصاد العالمي. تعمل شركات النفط على تطوير تقنيات لاستخلاص النفط بطرق أكثر أمانًا وكفاءة، مع تقليل الأثر البيئي. كما أن التطورات في البتروكيماويات تسهم في إنتاج مواد أكثر تنوعًا وأقل تأثيرًا بيئيًا.

في الوقت نفسه، هناك توجه عالمي متزايد لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، ما يحفز تطوير تقنيات تحويل مشتقات البترول إلى منتجات صديقة للبيئة، وتطوير وقود بديل منخفض الانبعاثات.

خاتمة

تمثل مشتقات البترول الطبيعية العمود الفقري للعديد من الصناعات والاقتصادات الحديثة، حيث يوفر النفط الخام عبر عمليات التكرير مجموعة واسعة من المنتجات التي تلبي الاحتياجات المتنوعة للطاقة والمواد الخام الكيميائية. تعد معرفة طبيعة هذه المشتقات وخصائصها واستخداماتها أمرًا حيويًا لفهم كيف يعتمد العالم الحديث على هذه الموارد، إلى جانب أهمية إدراك التأثيرات البيئية المصاحبة لها ومحاولة التوازن بين الاستخدام الأمثل والمحافظة على البيئة.

المصادر

• كتاب “النفط ومشتقاته”، تأليف مركز بحوث الطاقة.

• موقع إدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA) 2023.